أيها الرفقاء السوريون القوميون الاجتماعيون،
بفضل جهادكم وبفضل إيـمانكم الـمتين وبفضل صبركم على الشدائد وصبركم على الأذية، تتلقونها من إخوان لكم من أبناء شعبكم ووطنكم الذين، ـ لأنكم تـحاولون إنقاذهم من عادات وأمراض تـملكت بهم، ـ أصبحوا يلطمونكم. لأن العادة فيهم أصبحت أقوى من حب الشفاء.
بفضل هذا الصبر وهذا الـجهاد الذين تألم كثيرون منكم فيه وفقد كثير منكم من شؤونه ومصالـحه شيئاً كثيراً، من وسائل حياته الـمادية، بفضل هذا الـجهاد نقف اليوم تـحت سماء الوطن أحراراً نتكلم بحريّة مخاطبين أبناء قومنا الذين لطمونا والذين لم يلطمونا لنصارحهم بـما يؤول لـخيرهم وعلائهم ومجد أمتهم.
أيها الأصدقاء الـمجتمعون،
سمعـت من بعض الرفقـاء شيئاً يتنـاول نـواحي أساسيـة من التفكير الإنشائي في هذه الـحـركة السوريـة القوميـة الاجتماعيـة وإنني أثبت ما قاله الرفقاء لأنه يعبّر تعبيراً صادقاً عن هذه النهضة وأهدافها الصريحة.
نحن حزب أسيء فهمنا في الـماضي، وما يزال يساء فهمنا اليوم لأن أفكارنا وأعمالنا تُقلب إلى الناس مشوهة. ولم يُقبل الناس على دراسة حقيقة قضيتنا التي نعمل لها. وبالنظر لهذا النقص في الدرس، ستظل حقيقة قضيتنا ملتبسة حتى على الذين يعنيهم الأمر.
نسمـع من بعـض الـجهـات بعض اقـتـراحات منهـا: «لـمـاذا لـم تسمّـوا الـحـزب السـوري القـومي الاجتمـاعي، الـحــزب اللبنـاني القـومي الاجتمـاعي». ونسمع من جهة أخرى عبارة استفهامية: «لـماذا لم تسمّوا الـحزب، الـحزب العربي القومي الاجتماعي»؟.. الأولون يقولون:«لو أنكم سميتم الـحزب، الـحزب اللبناني القومي الاجتماعي، لرأيتم اللبنانيين بأجمعهم يسيرون في هذا الـحزب». ومثل هذا القول يقول الذين يطلبـون تسمية حزبنا بالـحـزب العربي قائليـن: «لو فعلتم هكذا لانضم إليكم العرب في كل العالم العربي».
مع هذا إذا نظرنا وتأملنا الأحوال في هذا الوطن وجدنا أنه توجد أحزاب تقول إنها لبنانية وإصلاحية، وقد اقتبست مبادئها عنّا. ومع ذلك لا نرى اللبنانيين بأجمعهم منضمين إلى هذه الأحزاب. كذلك توجد أحزاب تقول إنها عربية، ولم ينضم إليها أبناء العالم العربي كله. فما هو السر؟ هل السر في سواد «عيون» الزعيم؟
نحن نعتقد أنّ السر ليس في هذا، بل إنّ الـمسألة أعمق من ذلك بكثير. نرى الأحزاب التي تقول بلبنانيتها لا تتجاوز «العناصر الـمسيحية». والتي تقول بالعروبة لا تتجاوز «العناصر» الـمحمدية. فالتياران اللبناني
لا يـمثّلان سوى فكرة تـجسيد الـحزبيات الدينية. فالعامل في الأساس هو عامل ديني محض.
لم يوجد في التاريخ شيء اسمه الأمة اللبنانية أو الدولة اللبنانية، إنّ هذا شيء مستحدث بعد حرب 1918. وهذا الاستحداث له أسبابه التي عمل لها الأجنبي ليبقي البلاد مـمزقة مجزَّأة على نفسها. ذلك يرجع إلى الشعور الديني حين كانت الدولة دينية.
إذا انـدفعنـا في هذين التيارين واستمررنـا في اندفاعنـا خـارج الـحزب السـوري القومي الاجتماعي فما هي النتيجة الـحاصلة؟ النتيجة تكون استمرار انقسامنا كأمة، واستمرار عداوتنا بعضنا للبعض الآخر ضمن حدود بلادنا وخارجها.
نحن نقول بـمبدأ جوهري، مبدأ الصراحة ومعالـجة الـمرض في أساسه. نحن لا نظن أنّ طلاء القصدير بالفضة والنحاس بالذهب يعطينا فضة أو ذهباً، بل يبقى القصدير قصديراً والفضة فضة.
الأمة والدولة لا تعرفان في الدولة إلا أعضاء متساوين في الـحقوق والواجبات. فإذا كان الشرع دينياً يصبح لكل جماعة دينية شرعها.
أثناء مناقشة مع اثنين أرادا أن ينضما إلى الـحزب السوري القومي الاجتماعي، قلت، بعد أن سألاني: «هل سيكون الشرع في الدولة السورية القومية الاجتماعية مدنياً» قلت: القرآن الكريـم يقول إنّ السارق تقطع يده فهل يجري العالم الـمحمدي على هذه القاعدة اليوم؟ أجابا «لا». قلت: القرآن ينهي عن شرب الـخمرة، فكم هو عدد الـمحمديين الذين امتنعوا عن ذلك؟ فإذا كان يجوز لكما أن تكسرا الشرع في هذه النواحي ألا تتساهلـون في نـواح يعطي التساهـل فيها خيـراً لأمـة بأسرهـا؟ بل لـماذا نرى التعصب ضد الذين يقولون بدولة منفصلة عن الوحدة ما دام أساس الأمرين دينياً؟
أما حزبنا فقوة آخذة بجمع السوري كله على أساس جغرافي وشعبي. فهو يـمثّل مجموع الشعب، بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية. ولو بني على غير أساس القومية السورية لـمثّل الـمبدأ الذي تقول به كل من الـجماعتين الدينيتين.
هل ينتج من ذلك أن نقبل ما يقوله بعض أصحاب الغايات السياسية والـمنافع الاقتصادية، إنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي عدو لبنان وعدو اللبنانيين؟! إنّ هذا الـحزب، وأعضاءه في لبنان لا يـمكن أن يوجد بين اللبنانيين من هو أخلص منه ومن رجاله، في العمل لـخير لبنان وخير الأمة السورية كلها.
ليس في القول بالـحزب السوري القومي الاجتماعي عداوة للبنان وللبنانيين، بل ذلك تفريق بين الـمسألة السياسية وبين القضية القومية الاجتماعية.
الكيـان اللبنانـي كيـان اقتضتـه ضـرورة قيام الدولة على أساس الدين. إنه حل سياسي لـمشكلة اجتماعية. لكنه حل لا يخلق جنساً جديداً. فمار مارون نفسه كان من الداخل، ولغة الـموارنة في لبنان هي اللغة السريانية، لغة السوريين قبل الفتح العربي. والـموارنة في لبنان هم آراميون، فاللسان السرياني هو نفسه اللسان الآرامي ولم يكونوا شعبـاً خـاصاً بـلبنـان بل انتشـروا في مجمـل البـلاد السـوريـة. وبعـض هـؤلاء صـاروا محمدييـن وخالفوا إخوتهم في الدين. فمن الوجهة الـجنسية لا يـمكننا أن نخلق شيئاً اسمه الأمة اللبنانية كحل نهائي لهذه الـمشكلة السياسية.
لـماذا لم تنجح الأحزاب التي تنادي «بالقومية اللبنانية» في ضم كل اللبنانيين إذا كانت الفكرة اللبنانية فكرة قومية لا طائفية. لـماذا لم تنجح الكتائب والغساسنة أو الطلائع أو النجادة مثلاً في أن تزيد عن الطائفة التي هي لها؟
لـماذا؟ لأنها كلها تقوم على مبدأ حزبية دينية مـموه من الـخارج بطلاء الوطنية، ولا تخدع هذه إلا نفسها.
إنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي هو الـحزب الأوحد الذي أعطى أحسن النتائج في قيادة اللبنانيين إلى الوحدة القومية. هو الـحزب الذي لا يوجد حزب قدر أن يفعل ما فعل لتوحيد اللبنانيين من جميع الـملل والنحل.
إنّ اختلاف الآراء حول الـمصلحة الأخيرة والـخير العام لا يـمكن أن يسمى من قبل جهلة أعداء للبلاد يكونون هم أنفسهم أعظم الـخونة لها ولهذا الشان.
ماذا نقصد من الأسماء؟ الأسماء بذاتها ليست خيراً، بل الـخير الذي نقصد هو في ما تعني الأسماء. نحن لا نقصد الـخير لـمجرّد الـخير ولا نرى الـخير في إسم سورية مجرّداً. إننا لا نطلب الله لـمجرّد إسم الله بل لأنه رمز للخير. وحين يبطل أن يكون كذلك تبطل محبته من قلوب الناس.
الأسماء في ذاتها ليست ما نطلب، بل طلب الـخير الذي يكون من ورائها.
فالذين يقولون باسم لبنان يريدون أن يثبتوا الـحاضر على ما كان الـماضي القريب ولا يحدثون شيئاً جديداً ولو اقتبسوا عنا مبادىء جديدة.
إنّ الـذي يـدخـل حـزبـاً لبنـانيـاً ينتقـل من طـائفـة إلى جو طائفي مـماثل. وهو مثل الذي ابتدأ من نقطة وعاد إليها. كل حزب يتأسس ضمن مصلحة فئة معيّنة من الناس لا يـمكن أن يخرج عن تلك الفئة. إنّ الـمصلحة في الوطن هي للعموم وكل قضية صحيحة يجب أن تكون للوطن بأجمعه وللأمة كلها.
إنّ الـمبدأ الأساسي الذي هو أنّ الأمة السورية مجتمع واحد والـمبدأ الإصلاحي القائل بفصل الدين عن الدولة يربطان الفرد بـمجتمعه وشرائعه ومصيره. بفصل الدين عن الدولة نـجد القاعدة التي تـجعل الإنسان حراً في معتقده الديني لكنه يخضع للشرائع التي أنتجتها عقول إنسانية، وهبها الله لا ليعطلها بل لتخدم الـمجتمع الإنساني.
الـحـزب السـوري القـومي الاجتماعي لا يقول بقـاعدة الدولة الدينية بل يأخذ الـمسطح الـجغرافي وحقيقة التركيب الدموي والنفسي، بصرف النظر عن الـمذهب والأديـان فيوفق بذلك بيـن قولـه بقومية سورية، بأمة سورية وبيـن قولـه بوجود بعض الأسباب التي أوجدت الكيان اللبناني الـمنعزل. والـحزب يعمل على إزالة هذه الأسباب.
إنّ حقيقة الأمـم ليست رغائب عند بعض الناس بل هي قواعد صحيحة عليهم أن يكشفوها.
إنّ بعض الـمتهوسيـن الـخيالييـن يقولون عند حدوث الـمشاكل الاقتصادية بين لبنان والشام: «سوف نطحن صخور لبنان ونستغني عن الداخل». هذا الكلام يسمى «فشة خلق» لأنه يصعب أن نرى صخور لبنان الـجميلة تتحول إلى طحين فذلك يتطلب تـحويل معدنا إلى باطون مسلح تهضم تلك الصخور.
نحن إذن قد أعلنّا للخائفين أننا جاهرنا باحترام الكيان اللبناني لأنه كيان سياسي مقبول للأسباب الـموجبة. فالكيان اللبناني هو حصن يساعدنا على تطوير الأفكار نحو اتـجاه الـحياة الـجديدة، لا سجن للبنانيين ينزوون فيه. يجب أن يكون نقطة انطلاق لهذه النهضة لا مقبرة للبنانيين. هذه هي الـحلول الصحيحة التي يقدمها الـحزب السوري القومي الاجتماعي للبنانيين ولـجميع السوريين في سورية الطبيعية ككلها.
إنكـم تسمعـون أخـبار التسلـح من جهـة الكتـائب والنجـادة للدفـاع عن طوائفهم. ولدينا تقارير عن هذه الأعمال التي تـجعل أبناء لبنان واقفيـن ليثب كل فريق منهم على الآخر. في الـحزب السوري القومي الاجتماعي فقط نـجد وحدة الشعب ولا يـمكن أن ينشأ فيه مشكلة من هذا النوع، من أجل مركز في السماء، لم ينتدب الله أحداً على الأرض ليقوم بالـحشر والـحساب نيابة عنه. في الـحزب السوري القومي الاجتماعي فقط يدخل أي مواطن من أية طائفة كانت، إلى قومية جامعة فلا يبقى فيه الـماروني مارونياً ولا السني سنياً بل يجد كل نفسه للأمة. هذا شيء لم يستطع حزب آخر أن يقوم به. هذه هي حلولنا.
ونحن لا نقدر أن نساير الذين يطلبون منا أن نـجابه الـمشاكل بالطرق الـمعوجة التي يفكرون بها.
نحـن نقـول لهم إننـا نصـرّ على اعـوجـاج تفكيـركـم وننـاقشكـم ونحتـرم رأيكم ونريد أن نريكم هذه الطريق الـجديدة. ونعترف بعجزنا عن تسوية حال الوطن بالطرق الـمعوجة التي يريدوننا أن نسير عليها.
إن كان هناك من هم أكثر مقدرة لتحقيق الأمر فنحن لا نعترضهم. إنّ تاريخ الـحزب السوري القومي الاجتماعي يدل على أننا لم نعترض حزباً آخر رأى أن يحقق خيراً أو يجمع شملاً للأمة. فقد ناصرنا حتى الذين حاربونا في جميع الـمـواقف التي اقتضتها الـمصلحة القومية. ولكننا لم نـجد أحداً من الذين ادعوا أنهم على حق، واتهمونا أننا على ضلال، يحقق عشر معشار ما حققنا، لا الذين في الـحكم ولا الذين في الـمعارضة.
هذه هي حقيقة الـحـزب السـوري القـومي الاجتمـاعي. حزب يحترم مخاوف الناس ويحترم مطامحهم وأبعادها، ولكنه لا يترك الناس في خوفهم وفي مطامحهم الـمتهورة. بل يـمسك الـمتطوحين والـخائفين ويجمعهم في حقيقة أمة يجب أن تكون قوية وعظيمة، أمة خرجت من سجن الـمخاوف إلى الـحقيقة غير متهورة وغير متطوحة.
إنني أكرر ما قلته: لا يخشينّ أحد من اللبنانيين قولنا تـحيا سورية في لبنان. لأننا نشعر أنّ لبنان هو في ذرى سورية، وفيه انبثق مبدأ الـحياة للبنانيين ولـجميع السوريين. ليحيى لبنان الذي قال فيه الريحاني، وأذكر ما قلنا في اجتماع كفرعقاب حين تذكرنا زيارة قمنا بها لأمين الريحاني قبيل موته فقال: «ثلاثة لا تزول في لبنان عذوبة مناظره، عبقرية أبنائه والـحزب السوري القومي في لبنان». أقول إنّ اللبنانيين كثيراً ما نسوا ما علّمهم لبنانيون خلصاء مثل أمين الريحاني وانتبهوا إلى ما علّمهم إياه الفرنسيون.